قوله تعالى : وعلامات وبالنجم هم يهتدون فيه ثلاث مسائل : الأولى : قوله تعالى : وعلامات قال ابن عباس : العلامات معالم الطرق بالنهار ; أي جعل للطريق علامات يقع الاهتداء بها . وبالنجم هم يهتدون قال : هو الجدي يا ابن عباس ، عليه قبلتكم وبه تهتدون في بركم وبحركم ذكره الماوردي .
منذ قديم الزمان والإنسان يرنو ببصره نحو السماء، فلم يكن هنالك شيء يلهيه عن النظر إلى السماء معظم ساعات الليل، فعندما تغيب الشمس تحت الأفق ويحل الظلام، تظهر النجوم المتلألئة إذا كانت السماء خالية من الغيوم بألوانها الجذابة الجميلة التي تكاد تخطف الأبصار، فهي تغطي معظم أجزاء القبة السماوية، ولولاها لأصبحت السماء معتمة تماما ومخيفة ولما شاهد الإنسان أي شيء خلال الليل.
بعد خبرة الإنسان الطويلة في رصد النجوم ومواقعها في السماء، أصبحت له خبرة في حركة النجوم الظاهرية في السماء فعرف موعد شروقها وغروبها ومكان ظهورها في السماء.
ولان الإنسان القديم لم يكن يمتلك أي أداة لتحديد الوقت وتسهيل أمور حياته اليومية، فلقد لجأ إلى حركة مواعيد شروق وغروب النجوم الدقيقة خلال العام لتقسيم وقته وتدبير أموره اليومية، فاستخدم هذه الأوقات في تحديد أوقات الزراعة والحصاد وأيام البرد والمطر والصيف والربيع، فأصبحت حياة الإنسان القديم مرتبطة ارتباطا وثيقا بالنجوم.
إن حركة النجوم الظاهرية في السماء ناتجة عن حركة الأرض حول محورها، ولا تدور النجوم حول الأرض كما كان يعتقد الإنسان منذ القدم، ولأننا نعيش على كوكب الأرض كروي الشكل فإننا نرى أن النجوم وكأنها داخل قبة كبيرة ونعيش نحن داخلها وكأن الأرض مركز لهذه القبة السماوية.
تشرق النجوم وتغيب في أوقات وأمكنة مختلفة،فالإنسان الذي يعيش في خط الاستواء على الأرض فانه يرى النجوم كلها تشرق من الغرب ثم تغيب في الغرب، أما الإنسان الذي يعيش في مناطق تقع بين خط الاستواء والقطب الجنوبي فانه يرى أن النجوم تشرق وتغرب بالإضافة إلى نجوم لا تغيب تقع في منطقة القطب الشمال، حيث يظهر نجم القطب الشمالي ثابت في السماء والنجوم القريبة منه تدور حوله دون أن تغيب تحت الأفق، أما الشخص الذي يقف عند القطب الجنوبي فانه يرى النجم القطبي ثابتا في مكانه فوق رأسه ويتحرك حول نقطة ضيقة لأنه يبعد نصف درجة تقريبا عن القطب السماوي الحقيقي، وسيرى أن النجوم تدور في دوائر حول القطب السماوي دون أن تشرق أو تغيب أي تبقى النجوم ظاهرة فوق الأفق.
استخدم الإنسان حركة النجوم لتقسيم وقته في الكثير من أمور حياته، فقد بنى الفراعنة الأهرامات وصمموها لرصد نجم الشعرى اليمانية المع نجوم السماء وكانوا يحددون وقت فيضان نهر النيل كل عام من خلال رصد الشعرى اليمانية،كما كان سكان وادي الرافدين-دجلة الفرات- يحددون أوقات الزراعة والحصاد من خلال موعد شروق النجوم وغروبها.
أما العرب في الجاهلية فقد اعتمدوا عليها كثيرا في الصحراء لتحديد اتجاه سفرهم حيث لا يوجد دليل يهديهم إلى الاتجاه المطلوب سوى النجوم سواء كانوا في البر أو البحر، حيث إن أي دليل في الصحراء ستخفيه الرياح والأتربة، كما يستحيل تحديد علامة في البحار والمحيطات، سوى نجوم السماء التي يمكن من خلالها تحديد الأماكن والجهات الأربعة الرئيسة مثل الشمال والجنوب والشرق والغرب،لذلك فان معرفة أسماء النجوم ومواقعها كانت أساسية لكل إنسان تلك العصور،حتى أن الغلمان بمجرد بلوغهم والاعتماد عليهم في رعي الأغنام كانوا يعلمونهم مواقع النجوم لكي يتمكنوا من العودة إلى بيوتهم في الصحراء خوفا من الضياع والهلاك.
كانت العرب في الجاهلية تظن أن البرد والمطر والريح سببه احد النجوم، لذلك ربطت العرب بين كل نجم من نجوم السماء بحالة جوية معينة، فمثلا إذا غابت الشمس وكانت «الثريا» فوق الأفق الشرقي أي عند شروقها في الجهة المقابلة يستدلون بذلك أن فصل الشتاء قد بدأ، وعندما تغيب الشمس وتكون الثريا في كبد السماء يستدلون من ذلك أن ابرد أيام السنة قد بدأت، هذا العلم عرفه العرب باسم»علم الأنواء» والنوء هو سقوط أو غروب النجم عند شروق الشمس أي في آخر الليل، أما النجم الذي يشرق في الجهة المقابلة لنوء النجم فسمي «الرقيب» وعلى هذا الأساس نجد أن العرب قسمت لكل نجم من نجوم السماء خاصة النجوم اللامعة منها ساعة غروب محددة خلال العام وهو نوء النجم، وهو موعد يتفق مع حالة جوية معينة خلال فصول السنة.
لذلك فلقد اهتدت الحضارات القديمة والعرب بالنجوم لتقسيم الوقت وتحديد مواعيد الزراعة والحصاد والسفر والبحث عن الكلأ وغيرها من أمور حياتهم.
إن وجود النجوم في السماء بمواقعها وأشكالها وصورها لم تأت صدفة، بل هي مقدرة من الله عز وجل لمنفعة الإنسان، وهذا ما بينه الله تعالى في بضع آيات في القرآن الكريم، يقول تعالى في الآية 97 من سورة الأنعام:( وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر، قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون) .
يقول ابن كثير رحمه الله في تفسيره الآية الكريمة: قال بعض السلف: من اعتقد في هذه النجوم غير ثلاث فقد أخطأ وكذب على الله سبحانه، أن الله جعلها زينة للسماء، ورجوما للشياطين، ويهتدى بها في ظلمات البر والبحر.
وفي الآية 16 من سورة النحل يقول عز وجل: (وعلامات وبالنجم هم يهتدون) يقول ابن كثير في تفسيرها:»وعلامات» أي دلائل من جبال كبار وآكام صغار ونحو ذلك، يستدل بها المسافرون برا وبحرا إذا ضلوا الطريق. وقوله: وبالنجم هم يهتدون، أي في ظلام الليل.
أوضح ابن كثير في تفسيره للآيات سابقة الذكر معنى هاما للغاية من الاهتداء بالنجوم وهو أنها ليست لغير الاهتداء بها ورجوما للشياطين وزينة للسماء، وهو رد واضح وصريح على الذين يعتقدون أن معنى الاهتداء بالنجوم هو كشف الطالع ومعرفة الغيب وهم المنجمون أو المشتغلون بالتنجيم الذين يظنون أن حياة الإنسان وما يواجهه في حياته من خير وشر يمكن الكشف عنه في النجوم، لكن الله تعالى ينفي في هذه الآيات الكريمة هذا الادعاء الباطل المبني على جهل الإنسان بحقيقة الأجرام السماوية.